بسنت مصطفى
التحرش يعد من أكثر الجرائم التي تتفاقم في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة و التي أثارت الجدل في الشارع المصري وبين شبابنا على مواقع التواصل الاجتماعي.
مما أدى إلى لفت الانتباه لهذه الظاهرة قديمة العهد، فالتحرش ليس بظاهرة حديثة.
تحتل مصر المرتبة الثانية في التحرش على مستوى دول العالم وذلك وفقًا لتقارير منظمات الدفاع عن حقوق المرأة العالمية لعام 2015.
تعريف التحرش
التحرش في اللغة العربية من حرشه حرشًا أي خدشه.
التحرش هو جريمة أو سلوك غير مبرر يقوم به طرف مجني “المجرم” تجاه الطرف الآخر المجني عليه “الضحية” أو “صاحب الحق” بالرغم عن إرادته.
يسبب هذا السلوك العديد من الإيذاء و المعاناة و الآلام النفسية و الجسدية للمجني عليه العالقة بالذاكرة على مدى العمر.
أشكال التحرش
يأتي التحرش في صور كثيرة وتنقسم إلى :
التحرش اللفظي
كالتهديد والتنمر على شكل المعتدى عليه بالكلام أو وصف جسد المعتدي عليها بألفاظ خادشة.
التحرش الجسدي
وهو أسوأ أشكال التحرش، ويأتي باللمس و الأعتداء وأحيانًا يأتي على شكل ممارسات جسدية أمام المعتدي عليه تخدش الحياء.
الجدير بالذكر أن التحرش لا يحدث فقط في الشوارع أو المواصلات العامة بل يمكنه الحدوث في مناطق العمل، الجامعات وأيضًا في بيوتنا وأثناء الزيارات العائلية.
كما أصبح التحرش لا يقتصر على المرأة والرجل ولكن بات يتعرض له أطفالنا في أسوأ الصور المتوقعة.
عواقب وأثر التحرش على الأطفال
كما سبق الذكر أنه يتعرض العديد من الأطفال للتحرش حيث بلغ عدد الاعتداءات المبلغ عنها للأطفال حوالي 80,000 بلاغ أو أكثر.
مع العلم أن المعدل التقريري للإساءة الجنسية للأطفال أكثر بكثير من تلك البلاغات المقدمة.
ويمكن حدوث ذلك أثناء المناسبات الاجتماعية، اللعب مع الأطفال في الأماكن العامة أو الحضانات والملاهي والنوادي.
وذلك يؤثر بالسلب على الطفل دون وعي منه أنه يتعرض لصورة بشعة من التحرش .
ومع تقدم عمر الطفل نلاحظ عليه العديد من التغيرات الجنسية حيث نجد العديد من المختلين جنسيًا قد تعرضوا لحادثة تحرش أو اغتصاب في تاريخ حياتهم المبكرة.
كما تؤثر نفسيًا على حياته الزوجية لاحقًا مع تدني احترام الذات والتي قد تصل أحيانًا هذه الاضطرابات النفسية حد الانتحار.
أسباب عدم البوح بالتعرض للتحرش
يواجه الطفل دائمًا صعوبة البوح بالتعرض للتحرش لعدة أسباب منها :
- الخوف من حدوث المشاجرات.
- الخوف من فقدان حب الآباء واهتمامهم .
- اعتقاد الطفل أن ما يحدث له هو أمر طبيعي، وذلك لعدم إدراكه لأمور الحياة المختلفة.
أثر التحرش على المرأة
تتعرض المرأة للعديد من حوادث التحرش و خصوصًا في مصر حيث قامت الأمم المتحدة بدراسة صادرة عام 2013 والتي تنص على تعرض 99,3 % من المصريات لنوع واحد من أنواع التحرش على الأقل .
ويسبب ذلك تشويه جزء كبير من نفسية المرأة و عدم شعورها بالأمان في الشوارع المصرية وفي المواصلات العامة والخوف والهلع من كل من يقترب إليها.
وهناك بالطبع العديد من حوادث الاغتصاب التي تكون مقدمتها التحرش مما يؤثر جسديًا عليها و يصل إلى أمراض نفسية كالصرع و الرهاب الاجتماعي و التباكم.
وتوجد حوادث شهيرة تنتهي بالانتحار لهذه الضحية لعدم تحملها الأذى النفسي والجسدي.
فهناك من تمتلك الشجاعة للإفصاح وأخذ الحق لكن أمام كل امرأة توجد عشرة يفضلون الصمت حت لا تنقلب الطاولة عليهن وخوفًا من السمعة والعار الذي سيجلبونه لعائلاتهم في نظرهن.
دور المنظمات النسوية في التوعية و التصدي للتحرش
كل التبجيل والاحترام لجهود المنظمات التابعة لحقوق المرأة ودورها الفعال في التصدي للتحرش والتي كان لها الفضل في أن تصبح فرنسا أول دولة أوروبية تجرم التحرش الجنسي لعام 1992.
و الجدير بالذكر أن بعد سنوات طويلة من الصراع مع التحرش والذي كان محرمًا الحديث عنه من وجهة نظر المجتمع كسرت حاجز الصمت لأول مرة عام 2006 حتى حصلت أول سيدة مصرية لعام 2014 على حكم قضائي في قضية التحرش .
وصولًا بعد ذلك لقرار صدر يعتبر فيه المتحرش مجرم و مازالت تقوم بالعديد من الجهود لحماية المرأة و حقوقها .
أسباب انتشار التحرش في مجتمعاتنا العربية
قلة وعي الآباء بالتربية الصحيحة للأبناء ضد التحرش
يتمثل ذلك في عدم تقدير المرأة في أساسيات التربية والتفرقة منذ الصغر بين الرجل والمرأة و تفضيل الرجل وزيادة شأنه عن شأن المرأة وذلك بجملة الآباء الشهيرة :”انتي بنت هو ولد “.
اعتبار الحديث عن تلك القضايا محظور في المجتمعات العربية
فاعتبار فتح نقاش عن مثل هذه الحوادث محظورًا في مجتمعاتنا إدى إلى تكوين الخوف لدى الضحية في مجتمعاتنا العربية.
ضعف الوازع الديني
فنشهد قلة الخطابات الدينية عن التحرش والتوعية ضده أو الاستدلال ببعض الآيات القرآنية مثل قول الله تعالى :
” والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون”.
أو الاقتداء بحديث الرسول صلى الله عليه و سلم “لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ” .
أو الاقتداء بقصة سيدنا يوسف وامرأة العزيز التي راودته عن نفسها و لم يستجب لها.
كما أنه واجب الذكر بأنه مكروه ومرفوض أيضًا في الدين المسيحي و يعتبر انحراف أخلاقي وفي اليهودية أيضًا.
ترديد العديد من المفاهيم و الألفاظ الدينية بطريقة خاطئة مثل المتبرجة والكاسيات العاريات دون الوعي إلى مفاهيمهم الصحيحة والذي يبرر بها المتحرش تصرفه لنفسه.
الفراغ الفكري والعاطفي لدى الشباب
فنفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
مشاهدة الأفلام والمواقع الأباحية
فتلك الأفلام تثير الغرائز وتدفع الشباب لتفريغها في نسائنا في الشوارع المصرية.
البطالة وتراجع المستوى الاقتصادي
والذي يؤدي إلى الفراغ ومشكلة تأخر الزواج على الرغم من ذلك نجد العديد من المتحرشين متزوجين وأيضًا كبار السن لذا لا يتم اعتباره دافع قوي.
جعل ملابس النساء حجة للتحرش
فيبرر الشباب لأنفسهم التحرش وإعطائهم الحق رميًا الأسباب على ملابس النساء على الرغم من عدم وجود التفتح في الأزياء والملابس في مجتمعاتنا العربية .
فعلى الرغم من تفتح الثقافات الغربية نجد أن نسبة التحرش فيها أقل من مجتمعاتنا .
كما نرى تعرض المنتقبة والمحجبة للتحرش مثلما تتعرض له الغير محجبة مما لا يسند الحجة .
عدم تكاتف الشعب ضد حوادث التحرش
وبالأخص الشارع المصري، فنرى تجاهل الأفراد لدورهم في الدفاع ومساندة الضحية كما أنه في بعض الأحوال تنقلب المجني عليها إلى جاني فتصبح في موقع اتهام .
عدم وجود دعاية إعلامية كافية للتصدي للتحرش
فيجب بث الرعب لدى المتحرش عن عواقب أفعاله وأيضًا توعية المرأة بأساليب حماية نفسها.
عدم وجود قوانين رادعة للمتحرشين
فيجب فرض قوانين تكفي للتصدي لظاهرة التحرش وبث الرعب لدى المتحرشين حتى يمتنعوا عن ارتكاب جرائمهم.
فعاليات و طرق التصدي للتحرش
- التوعية للتربية الصحيحة ضد التحرش وخصوصًا الأطفال واعطائهم الشعور بالأمان والطمأنينة الكافية لإخبارالوالدين والدولة بها.
- تعليم الأطفال ضرورة أخذ الحق بطريقة مناسبة بالإضافة إلى تقدير وبث روح المساواة بين الرجل والمرأة منذ الصغر.
- قيام دار الإفتاء المصرية بتوجيه العديد من الخطابات الدينية التي تحث على احترام المرأة وحقوقها وتحث على غض البصر حيث أن الحياة ما هي إلا دار الفتن والاختبارات وواجبنا هو تهذيب النفس والتحكم في الشهوات والغرائز.
- محاولة الدولة الارتقاء بالمستوى الاقتصادي وتوفير فرص عمل مناسبة لشبابنا.
- قيام الرقابة بالتصدي للمواقع الإباحية وإغلاقها لما تبث في نفوس شبابنا من شهوات واحترامًا لتقاليدنا وثقافتنا العربية لأديانا بالإضافة إلى تصدير العديد من الأفلام التي تدعم المرأة في قضايا التحرش.
- توفير مساكن بسيطة للشباب بأسعار مناسبة في متناولهم للزواج.
- توفير الدولة لبرامج رياضية للسيدات لتعليمهم الفنون القتالية للدفاع عن النفس.
- ضرورة تكاتف الشعب المصري واحترام الضحية والتأكيد على حقها في التبليغ عن المتحرش ومساندتها لتشعر بالطمأنينة ولا تصمت.
- القيام بالعديد من الحملات الإعلامية التي تشجع المرأة على أخذ حقها ضد المتحرش مع عدم الخجل للقيام بذلك بل الشعور بالفخر والاعتزاز.
- الحث على احترام المرأة وتجريم التحرش .
- تفعيل قوانين أكثر صرامة ضد المتحرش مما يجعله يفكر قبل أن يقوم بالاعتداء على الضحية والتي يمكنها أن تصل حد الإعدام.
- وأخيرًا تحكيم ضمائرنا في كل سلوك أو فعل خاطئ منافي للإنسانية .